الاقتصاد التشاركي هو نظام يقوم على مبدأ تبادل الأصول والخدمات بين الأفراد والشركات عبر منصات إلكترونية تتيح التفاعل المباشر بين الطرفين.
ويتميز هذا النموذج بعدم الحاجة إلى ملكية الأصول بشكل كامل، بل يركز على الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة.
وقد أدى ظهور هذا المفهوم إلى تغيير جذري في أنماط الاستهلاك والإنتاج؛ مما جعل من الممكن مشاركة أي شيء تقريبًا من السيارات إلى المساحات السكنية والمعدات المهنية والخبرات.
تأثير الاقتصاد التشاركي على قطاع التأمين
كشف اتحاد شركات التأمين المصرية في نشرته الأسبوعية، تأثيرات الاقتصاد التشاركي بشكل كبير على قطاع التأمين، حيث يخلق تحديات وفرصًا جديدة لهذا القطاع التقليدي، وجاءت كالتالي:
تطوير منتجات تأمينية جديدة:
مع انتشار نماذج المشاركة في السكن والنقل والخدمات أصبح من الضروري تطوير منتجات تأمينية مخصصة تلبي احتياجات الأفراد المشاركين في هذا النوع من الاقتصاد، وعلى سبيل المثال أصبح هناك حاجة إلى تأمين خاص للمنازل المؤجرة عبر منصات مثل Airbnb وتأمين للسيارات المستخدمة في خدمات النقل التشارك؛ مما يساهم في توفير حماية مالية للمستخدمين، ويقلل من المخاطر المرتبطة باستخدام الموارد المشتركة.
التأمين عند الطلب:
في الاقتصاد التشاركي لا يحتاج الأفراد إلى تأمين دائم بل يحتاجون إلى تغطية قصيرة الأجل تتناسب مع فترات الاستخدام، وهذا يتطلب من شركات التأمين تطوير وثائق تأمين مرنة يمكن تفعيلها عند الحاجة فقط مما يقلل من التكاليف التي تقع على كاهل المستخدمين.
ويُعتبر التأمين عند الطلب حلًا مبتكرًا يساعد الأفراد على تجنب التكاليف الباهظة للتأمين التقليدي ويتيح لهم الحماية عند الحاجة فقط.
تحديات تقييم المخاطر
يعتمد التأمين التقليدي على نماذج تقييم المخاطر بناءً على سجلات ثابتة، مثل سجل القيادة أو التاريخ الائتماني، ولكن في الاقتصاد التشاركي يختلف مستخدمو الأصول بشكل مستمر مما يجعل تقييم المخاطر أكثر تعقيدًا.
ويتطلب هذا الاعتماد على البيانات الضخمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين وتحديد مستوى المخاطر بدقة أكبر كما تقوم شركات التأمين الحديثة بتطوير نماذج تحليل بيانات متقدمة لفهم المخاطر في البيئة التشاركية.
تعزيز استخدام التكنولوجيا في التأمين:
أثّر الاقتصاد التشاركي على تسريع تبني شركات التأمين للتكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لجمع البيانات وتحليلها من أجل تقديم عروض تأمينية مخصصة وفورية ويمكن استخدام أجهزة الاستشعار في السيارات لجمع بيانات القيادة وتقديم عروض تأمين شخصية بناءً على سلوك السائق الفعلي، وكما أن استخدام العقود الذكية وتقنيات البلوكتشين يمكن أن يسهم في تحسين موثوقية العقود التأمينية وتسهيل عمليات المطالبات.
زيادة المخاطر القانونية والتنظيمية:
مع زيادة وتيرة انتشار الاقتصاد التشاركي تواجه شركات التأمين تحديات قانونية جديدة فيما يتعلق بتحديد المسؤوليات القانونية في حالات الأضرار أو الحوادث، وعلى سبيل المثال في حالة وقوع حادث لسيارة تعمل في خدمة نقل تشاركي، قد يكون من الصعب تحديد الجهة المسؤولة بين السائق، المنصة الوسيطة، أو شركة التأمين وهذا يتطلب تعاونًا بين الحكومات والمنصات التشاركية وشركات التأمين لإيجاد حلول تنظيمية فعالة.
زيادة الحاجة إلى التأمين ضد المخاطر السيبرانية:
تعتمد منصات الاقتصاد التشاركي بشكل أساسي على التكنولوجيا الرقمية مما يجعلها عرضة للهجمات الإلكترونية.
وبالتالي، أصبحت هناك حاجة متزايدة لتطوير منتجات تأمينية تحمي هذه المنصات والمستخدمين من مخاطر الاحتيال والاختراقات الأمنية.
ويُعتبر الأمن السيبراني من أهم الأولويات لشركات التأمين في العصر الرقمي حيث تسعى إلى توفير حماية متقدمة ضد التهديدات الإلكترونية.
تحفيز الابتكار في صناعة التأمين:
مع زيادة الطلب على نماذج تأمين أكثر مرونة أصبح قطاع التأمين مطالبًا بتقديم حلول مبتكرة تتناسب مع متطلبات الاقتصاد التشاركي قد يشمل ذلك تطوير برامج تأمين قائمة على الاشتراك الشهري أو التأمين الذكي القائم على البيانات الحية ويمكن للتكنولوجيا أن تساعد في تقديم منتجات تأمينية مرنة وقابلة للتخصيص وفقًا لاحتياجات الأفراد
تأثير الاقتصاد التشاركي على أسعار التأمين:
مع زيادة الاتجاه نحو مشاركة الأصول قد يؤدي ذلك إلى تقليل مخاطر التلف أو الحوادث من خلال تقنيات مثل التقييم المستمر للسائقين أو المستأجرين، وفي المقابل قد ترتفع أسعار التأمين لبعض الفئات بسبب زيادة الاستخدام الكثيف للأصول المشتركة، وتعمل شركات التأمين على تطوير نماذج تسعير جديدة تعكس سلوك المستخدمين ومستوى المخاطر الفعلي.
التحديات التي تواجه الاقتصاد التشاركي
رغم الفوائد العديدة التي يقدمها الاقتصاد التشاركي إلا أنه يواجه مجموعة من التحديات التي تعيق انتشاره وتطبيقه على نطاق واسع ومن أبرز هذه التحديات:
التنظيم والتشريعات:
يواجه الاقتصاد التشاركي غموضًا قانونيًا في العديد من الدول حيث لم يتم وضع قوانين واضحة لتنظيمه وقد تصطدم منصات الاقتصاد التشاركي بالقوانين المحلية مثل الضرائب وتصاريح العمل وحماية المستهلك كما تتخوف الحكومات من فقدان السيطرة على بعض القطاعات التقليدية بسبب هيمنة المنصات التشاركية.
حماية حقوق العاملين والمستهلكين
في كثير من الأحيان لا يحصل مقدمو الخدمات (مثل سائقي أوبر أو المضيفين في Airbnb) على مزايا العمل التقليدية مثل التأمين الصحي أو معاشات التقاعد.
يمكن أن يتعرض المستهلكون لمخاطر متعلقة بالجودة والأمان خاصة في غياب آليات فعالة لحل النزاعات أو التعويض عن الأضرار.
المنافسة مع القطاعات التقليدية:
يواجه الاقتصاد التشاركي مقاومة قوية من القطاعات التقليدية مثل شركات النقل والفنادق التي تعتبره تهديدًا لمصالحها.
قد يؤدي عدم تكافؤ الفرص بين الشركات التقليدية والشركات التشاركية إلى خلق بيئة غير عادلة في السوق.
الخصوصية وأمان البيانات:
تعتمد المنصات التشاركية على جمع وتحليل كميات كبيرة من بيانات المستخدمين مما يجعلها عرضة للاختراقات الأمنية.
قد تواجه الشركات مشكلات قانونية بسبب إساءة استخدام بيانات العملاء أو عدم الامتثال لقوانين حماية البيانات.
غياب الثقة والمخاطر الأمنية:
قد يجد المستخدمون صعوبة في الثقة بالأشخاص الذين يتعاملون معهم عبر المنصات التشاركية، خاصة في الخدمات التي تتطلب التفاعل المباشر.
يمكن أن تحدث عمليات احتيال أو سوء استغلال، مثل تأجير ممتلكات غير قانونية أو تقديم خدمات منخفضة الجودة.
2.التفاوت الاقتصادي والاجتماعي:
يمكن أن يؤدي الاقتصاد التشاركي إلى تعزيز الفجوة الاقتصادية، حيث يستفيد الأفراد الذين يمتلكون موارد بالفعل أكثر من غيرهم.
في بعض الحالات قد يزيد من أسعار العقارات في المدن بسبب زيادة الطلب على الإيجارات قصيرة الأجل عبر منصات تسويق العقارات.
3.التأثير على سوق العمل:
قد يؤدي اعتماد الشركات على العمال المستقلين بدلًا من الموظفين الدائمين إلى انخفاض الأمان الوظيفي. فقد يتم استغلال العمال من خلال العقود غير المستقرة والأجور المنخفضة، مما يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية:
يشكّل الاقتصاد التشاركي نقلة نوعية في المفهوم التقليدي للنشاط الاقتصادي، ويعبر عن توجّه عالمي حديث نحو تعظيم الاستفادة من الموارد وتحقيق الاستدامة. وفي هذا الإطار، يرى اتحاد شركات التأمين المصرية ضرورة أن يواكب قطاع التأمين هذا التحول من خلال تطوير حلول تأمينية مبتكرة ومرنة، تستجيب لاحتياجات الأفراد والمنصات العاملة ضمن هذا النموذج، مثل تأمين المركبات المُشغّلة من عدة أطراف، والوحدات السكنية المؤجرة، والممتلكات المستخدمة في تقديم الخدمات.
ويؤكد الاتحاد أهمية التنسيق مع الجهات الرقابية والتشريعية لضمان توفير بيئة تنظيمية متطورة تدعم دمج الاقتصاد التشاركي في النظام التأميني، وتكفل الحماية اللازمة لجميع الأطراف. كما يرى أن الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار يمثل ركيزة أساسية لتمكين شركات التأمين من مواكبة هذا التطور ودعمه بشكل مستدام، بما يسهم في تعزيز الاقتصاد المصري بشكل عام.
ومع ما يطرحه الاقتصاد التشاركي من تحديات جديدة، يتعين على شركات التأمين تبني استراتيجيات متطورة ترتكز على استخدام التكنولوجيا الحديثة والبيانات الضخمة، بما يمكنها من تصميم منتجات تأمينية متوافقة مع متطلبات هذا النموذج الديناميكي. ومن خلال هذه الجهود، يمكن للقطاع أن يحقق تحولًا إيجابيًا يعزز من كفاءته ومرونته واستدامته على المدى الطويل.
وفي ظل البيئة الرقمية المتسارعة، يجب أن يتحول التأمين من مجرد رد فعل إلى دور استباقي فعّال، وأن يواكب طبيعة المخاطر الحديثة من خلال دمج الحلول التقنية المتقدمة مع خبرات متخصصة في إدارة مخاطر الأعمال الرقمية، بما يعزز دوره في الحماية والوقاية على نحو أكثر كفاءة وفاعلية.